16 - 08 - 2024

مؤشرات | شاعرنا كريم العراقي والسؤال الصعب للإعلام

مؤشرات | شاعرنا كريم العراقي والسؤال الصعب للإعلام

في تعليق مهم حول بوست كتبته على "الفيسبوك"، ناعيًا فيه الشاعر الكبير والعراقي الجنسية "كريم العراقي"، والذي أثرى حياتنا الشعرية بالعديد من الأعمال التي تجسد هموم وقضايا الإنسانية وبلاده، وقضايا عديدة، طرح الصديق والباحث الإقتصادي الأستاذ محمد نور الدين سؤالا مهما جدا، " الله يرحمه ويحسن اليه، بيصعب على أن مبدع كويس يعيش دون أن اسمع عنه إلا يوم وفاته....مش عارف المشكله فين؟".

السؤال في محله فعلًا، فكثير من المبدعين في كل المجالات، وليس الأدب فقط، بل في مختلف العلوم التطبيقية والنظرية، والفكرية، يعيشون بيننا، ونعرفهم ويعرفوننا، وإبداعهم حي في مجالهم، ونصفق لهم، ولكن في الغرف المغلقة، وفي المنتديات والتي لم يعد عليها إقبال، بعكس ما نراه في حفلات "المهرجانات" التي لا تجد موطيء قدم فيها.

ورغم ذلك يظل هؤلاء المبدعون يواصلون إنتاجهم، حتى الرمق الأخير لعل أحدًا يلتفت إليهم، ويهتم بهم الإعلام، بمثل ما يهتم بأخرين من أنصاف وأرباع موهبتهم وأقلهم منهم بكثير.

المحزن فينا جميعًا أننا نتذكر فجأة مبدعينا عندما يرحلون، وينتقلون إلى جوار ربهم، ونعلق شارات الحزن والوداع، ونتباكي عليهم، .. إذن المشكلة فينا نحن وفي إعلامنا وفي كل بلد، وليس بلدا بعينه، قد يكون هناك إهتمام، ولكن ليس بالمستوى المطلوب لهذا المبدع أو ذاك، وبعكس هذا السيل وهذا التقديم، وهذا الإحتفاء الذي نراه من الإعلام بكل أنواعه بأشخاص أخرين، لمجرد أن وراءهم كتائب تدعهم، وحتما لها ثمن، لا يستطيع أحد مجاراتهم فيه.

نحن نعيش معادلة فيها الكثير من الأخطاء، فقد رحل قبل أيام الشاعر الكبير كريم العراقي ومن أبوظبي إلى بغداد تم نقل جثمانه ليواري الثرى، في عاصمة العراق ، حيث أقيمت له جنازة تليق به بعد سنوات من الغربة والإغتراب، ومن مقر اتحاد الكتاب العراقي خرجت جنازته، إلى بيت أمه بناء على طلبه، لتلقي عليه النظرة الأخيرة.

وكريم العراقي صديق وصادق كل من عرفه واقترب منه،  وكل من إلتقاه  يشعر براحة نفسية وكأنك تعرفه من سنوات، ليس إلا أنه صوت يعبر عنك كعربي وإنسان، بالفعل لقد فقدنا صوتًا وطنيًا وإنسانيًا، نحن في حاجة إليه.

القضية كما لخصها الصديق والباحث محمد نور الدين، " لماذا يعيش بيننا مبدع، دون أن نسمع عنه الا يوم وفاته.. فأين المشكلة؟.. أعتقد كما قلت ردًا على السؤال، أنه تقصير إعلامي، بخلاف أن الإعلام منحاز لأشياء تافهة، بالرغم من أن كريم العراقي له تواجد كبير في الخليج خصوصاً في الامارات وحضرت له الكثير من الأمسيات .. أزمتنا في مصر وفي دولنا العربية أن إعلامنا منغلق في الأغلب على المحلي دون النظر للمبدعين في محيطنا العربي ..والقضية ليست في الشعراء فقط بل في فنون كثيرة ..وقبل أيام سمعت وتابعت عتابا من فنانة مغربية على تجاهل فنانين وفنانات عرب ومن المغرب في مهرجانات مصر السينمائية.

أنا على يقين أن كثيرين لا يعرفون "كريم العراقي"، فظل صوته صوت "الرافدين" –رمز العراق-  وصوت الحق وهموم الوطن والأوطان وآلام الغربة والإغتراب، ..وارتبط إسمه بالمطرب المتميز "كاظم الساهر" حيث شدا له كاظم ما يتجاوز الـ70 أغنية... من أفضل نثرات شعره .. "رحم الله أبي" .. "بالمال انباعت دول وانذلت أوطان".. "لا تشكو للناس جرحا أنت صاحبه" "سلامي على من صان المحبة".."شكواك للناس يا ابن الناس منقصة"..."وأنا الجميل السوماري البابلي كان يدي قيثارة العشاق" .. "فالشمس شمسي والعراق عراقي".

ورغم أن هناك من لا يعرفه، فهناك من يعرفه من خارج دائرة الشعراء والأدباء، والأصدقاء، وقد أسعدتني بعض التعليقات، فقد علق الصديق الطبيب الدكتور عبد الوهاب الحنفي، عن "كريم العراقي" قائلا "كان عالي الإحساس رقيق المشاعر، خسارة كبيرة للكلمة الحلوة والمعاني الرائعه تعجبني كل كلماته وأشعاره، وإن كانت "لاتشكو للناس جرحا أنت صاحبه"، أثرت في نفسي كثيرًا حيت تمده بقوة داخلية تقاوم وتتجاوز بها همومك ومشاكلك رحمه الله رحمه واسعة وغفر له مغفرة عظيمة وأسكنه فسيح جناته".

وفي تعليق أخر قال الصديق الأستاذ فوزي توفيق "اللهم ارحمه واغفر له وأسكنه فسيح جناتك وعوضنا بشاعر جليل مثله فلقد كان رحمه الله موهبة فذه منذ نعومة أظافره حيث نظم القوافى ونشر قبل أن ينهى دراسته التربوية ورغم ظروف مرضه استمر يغذى المكتبة العربية بالدرر إلى أن توفاه الله عن ٦٨ عاما".

ما أسعدني هو الجهد الذي قام ويقوم به الصديق الصحفي والإعلامي الإماراتي صالح الجسمي بنشر وتوثيق العديد من أعمال وحكايات أشعار كريم العراقي، متمنيا عليه أن يتم تجميع كل ما يخص هذا الشاعر الكبير.

حتما سنفتقدك يا كريم (أبو علي).. في زمن نحتاجك فيه فكل كلمته لها معني .. والتقصير في رقابنا جميعًا، ولن ننسى .."ذاكرتي صارت عدم من فرقة أحبابي".. والقصيدة لها قصة جميلة أخرى.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | تعليم